النهضة بتعليم الشباب لدعم تحقيق خطة عام 2030 من أجل التنمية المستدامة
في نهاية شهر أيار/ مايو من هذا العام، زرت قطاع غزة لأول مرة في حياتي. كنت هناك لدعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) بعملهم في مجال المناصرة والتأثير على السياسات وتعبئة الموارد. أثناء زيارتي لمدرسة، قمت بمقابلة شابين، هما ديما وكريم، وكانا لطيفين لدرجة أنهما أخذاني في جولة لتعريفي بالمكان. ديما وكريم وأصدقاؤها يحلمون بأن يصبحوا معلمين أو أطباء أو مهندسين. أخبروني أنَّ مدرستهم تمثل أفضل ما لديهم، وهي الأمل الوحيد لمستقبل أفضل، حيث يمكنهم تحقيق طموحاتهم وتحقيق كامل إمكاناتهم. ومع ذلك، ديما وكريم يخشيان أنهما لن يكونا قادرين على تحقيق أحلامهما لأن مدرستهما – التي تديرها الأونروا – تعاني من نقص شديد في التمويل بسبب التخفيضات الكبيرة في الدعم المالي للوكالة.
دعوني أضع الأمور في منظور عالمي لكم: هناك 263 مليون شاب تتراوح أعمارهم ما بين 6 و17 عاماً خارج المدرسة، وينطبق الشيء نفسه على 60 بالمئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و17 عامًا.[1] يفتقر حوالي 617 مليون شاب في جميع أنحاء العالم إلى المهارات الأساسية في الرياضيات والقراءة والكتابة.[2] وبالنسبة للفتيات، فإن الوضع أسوأ. في كثير من الأحيان، في الواقع، يتم تهميشهن وتركهن خارج المدرسة لمجرد نوعهم الاجتماعي. وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، لن تحصل 15 مليون فتاة في سن الدراسة الابتدائية على فرصة لتعلم القراءة والكتابة في المدارس الابتدائية، مقارنة بحوالي 10 ملايين من الفتيان[3]. إذا كنت تعتقد أنَّ هذا أمر سيء، فأنا لم أنتهي بعد: إذا كنت فتاة تعيش في منطقة ريفية أو منطقة متضررة من النزاع، أو تنتمي إلى أسرة فقيرة أو لديك إعاقة، فمن المرجح أن تفوتك مرحلة الدراسة الثانوية بنسبة 90 بالمئة أكثر من الفتيان.[4] توفر كل هذه الإحصائيات أدلة واضحة على أن التحولات المهمة لا تزال مطلوبة لجعل الأنظمة التعليمية أكثر شمولاً ويمكن الوصول إليها.
هناك عدد كبير من العوائق التي تمنع الشباب من الوصول إلى التعليم الجيد. قد يُجبر الشباب من خلفيات محرومة، وخاصة الفتيات، على العمل أو إدارة أسرهم أو رعاية إخوتهم. يمكن أن يتأثر الشباب بالصراعات وحالات الطوارئ؛ وزواج الأطفال؛ حالات الحمل في سن مبكرة؛ والإعاقة؛ ونقص الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي والنظافة. فمهما كانت الظروف، إنَّ لكل شخص—بما في ذلك ديما وكريم—الحق في التعلم والحصول على تعليم جيد. إن الحصول على تعليم جيد ليس مفيدًا للشباب فقط بل للعالم أيضًا. تعليم الأولاد والبنات يزيد من الإنتاجية ويسهل النمو الاقتصادي؛ وكذلك المعرفة بالصرف الصحي والتطعيم والتغذية والصحة العامة يمكنها أن تنقذ الأرواح؛ ويوفر التعليم الجيد للفتيات والفتيان المهارات التي يحتاجونها لتولي أدوار قيادية على الصعيدين المحلي والوطني، مما يُمَكّنهم من المشاركة في صنع القرار بشأن المسائل التي تؤثر على حياتهم ومجتمعاتهم. إذا لم يكن ذلك مقنعًا بشكل كافٍ، فيمكن للشباب الذين تلقوا تعليمهم في مجال حقوق الإنسان أن يدافعوا عن أنفسهم وعن الآخرين؛ ودعم صحة ورفاهية أنفسهم ومجتمعاتهم؛ والمساهمة في بناء أسر ومجتمعات وأمم أقوى، وفي نهاية المطاف، ينعكس ذلك كله على العالم.
إننا ندرك تماماً في الأمم المتحدة الإمكانات التي يمتلكها 1.8 مليار شاب وشابة يعيشون في العالم الآن. ونحن نريدهم أن يدركوا هذه الإمكانات. في عام 2015، اعتمدت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة خطة التنمية المستدامة لعام 2030—وهي خطة مشتركة للسلام والازدهار للشعوب وللكوكب. ومنذ ذلك الحين كان الشعار المشترك على نطاق واسع هو “لا تترك أحدًا يتخلف عن الركب”. لا تترك أحداً يتخلف عن الركب بسبب الفقر، لا تترك أحداً جائعًا؛ لا تترك أحداً بدون وظيفة لائقة ونمو اقتصادي؛ وبشكل حاسم، لا تترك أحداً بدون الحصول على تعليم جيد. كجزء من الخطة العالمية هذه التي توجه العالم بأسره نحو مستقبل أفضل، التزمنا بتحقيق هدف التنمية المستدامة الرابع (SDG): “لضمان تعليم جيد وعادل وشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم لمدى الحياة للجميع”.
نريد أن نضمن أن تتمكن جميع الفتيات والفتيان من إكمال التعليم الابتدائي والثانوي المجاني والعادل والجيد. نحن بحاجة إلى دعم أولئك الذين هم في أمسّ الحاجة إلى التعليم حتى يتمكنوا من التنافس في سوق العمل المتغير باستمرار والثورة الصناعية الرابعة. مع وجود أكثر من 64 مليون شاب وشابة عاطلين عن العمل اليوم و 145 مليون شاب وشابة آخرين يعيشون في فقر مدقع، لا يمكننا تحمل الاستمرار في تفاقم فجوة المهارات[5]. يجب علينا جسر هذه الفجوة بكل الوسائل اللازمة.
ومع ذلك، وفي خضم أزمة التعلم هذه، لدينا الحل جاسماً أمامنا مباشرة: يجب أن توفر المدارس التعليم لإعداد الشباب للحياة والعمل. إلا أن التحصيل العلمي وحده لا يوفر العوائد الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة. يحتاج التعليم إلى الجمع الفعال بين تراكم المعرفة والمهارات الحياتية والتفكير النقدي، مما يُمكّن الشباب من الوصول إلى الاقتصادات المتغيرة بسرعة وبنجاح. يجب أن يُمكّن التعليم الشباب أيضًا من تبني أساليب حياة مستدامة ومواجهة تغير المناخ—الذي يمثل التحدي الأكبر في عصرنا. يجب أن يعكس التعليم تنوع عالمنا، بما في ذلك الفئات المهمشة، وضمان المساواة بين الجنسين. ينبغي أن تعزز ثقافة السلام واللاعنف والمواطنة العالمية وتقدير التنوع الثقافي.
في عالمنا الذي يزداد تعقيدًا وترابطًا، يعتبر التعلم مفتاح النجاح الشخصي والمهني لمدى الحياة. التعلم يتيح لنا اغتنام الفرص وخلقها. بدافع الاهتمام أو الضرورة، يسعى كل واحد منا إلى تعلم معرفة جديدة أو الانخراط في تدريب جديد لاكتساب الكفاءات وتحديثها وتعزيزها. هذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص بالنسبة للجيل الحالي من الشباب، بالنظر إلى مستقبل العمل المتغير بسرعة، والذي يتميز بالتقدم التكنولوجي والحاجة إلى انتقال سريع إلى اقتصادات خضراء وصديقة للمناخ. إن ابتكار تقنيات جديدة يغير الطريقة التي نتعلم بها. ومع ذلك، بينما تدعم هذه التقنيات التعلم للكثيرين، فإن الوصول إليها ليس دائمًا عالميًا. من واجبنا التأكد من أن التقنية لا تترك أحداً يتخلف عن الركب. فقط عندما تتبنى السياسات نهج دورة الحياة، ويتم تمويل التعليم والتدريب بشكل جيد واتاحتهما بشكل متساوٍ لأولئك المهمشين، سيكون لدى الأفراد القوة والقدرة على التصرف بشكل مستقل واتخاذ خيارات حرة.